د. أحمد يعقوب المجدوبة
حَفرَت الجامعة الأردنية اسمها بحروف من ذهب قبل عام عندما دخلت فئة أول 500 جامعة عالمياً؛ وها هي تضيف إنجازاً تاريخياً آخر عندما قفزت لتدخل فئة أل400 هذا العام.
خبرٌ سارّ للمعنيين بالتعليم العالي عندنا، وكلنّا معنيون
لماذا نُسرّ، ولماذا نفرح؟
أولاً، لأن الإنجاز كبير؛ دخول فئة الـ500 كان قفزة كبيرة؛ ودخول فئة الـ400 قفزة ربّما أكبر، فالأردنية لم تحافظ على موقعها فحسب، بل تقدمت تقدّما جوهرياً؛ وهذا يعني أن إنجازها لم يكن صدفة أو طفرة، بل تفوقاً مستحقاً جاء على مراحل، وبناء على تخطيط.
ونُذكّر هنا أنّ رؤية الجامعة في خطتها الاستراتيجية للأعوام 2017 – 2023 نصت حرفياً وصراحة على الآتي: «جامعة متميزة أكاديمياً وبحثياً وريادياً وصولاً لمستويات عالمية متقدمة».
وها هي بالفعل، بفعل التخطيط والمثابرة لا الإنشاء والتّمنّي، تصل إلى تلك المستويات المتقدمة.
ونتوقع أنها ستحقق المزيد، لأنها تستحق أن تكون ضمن الـ300 والـ200 والـ 100، وبالذات إذا ما لقيت الدعم الذي تستحق وصفّرت التحديات والإشكالات التي تعاني منها، رغم تألّقها، وهي كثيرة.
ثانياً، لأنّ هذا الأداء جاء، إضافة إلى جهود الإدارة الحالية المُتفانية والمُخلصة، نتيجة طبيعية لجهود وطنية تراكمية شاملة ومُدامة. فلا ننسى أنّ الحسين رحمه الله أحاط الجامعة في فترة التأسيس وطيلة عهده الميمون برعاية مباشرة منه؛ وسار على نهجه عبد الله الثاني الذي كرّس لها حيزاً كبيراً من اهتمامه ودعمه. ورعتها ودعمتها كوكبة من رجالات الوطن المميزين من خلال عملهم في رئاسة وعضوية مجالس أمنائها، إضافة إلى رئاسة وعضوية لجان التأسيس والتطوير. وحظيت الجامعة بإدارات كفؤة وصلبة عبر عقود، إضافة إلى أساتذة نوابغ، وطلبة هم الأكثر تميّزاً وتفوقاً.
ثالثاً، لأن ما حققته الأردنية تحقق بجهود وطنية أردنية بامتياز. الجامعة في بداياتها أفادت من خبرات عربية ودولية مشهود لها، واستثمرت عبر السنوات في علاقات تعاون وشراكة متينة مع مؤسسات عربية وعالمية؛ كيف لا وهي، كما الأردن، منفتحة على كل ما هو جديد وإيجابي. لكنّها ومنذ أمد طورت خبرة وتجربة أردنية خالصة في الإدارة والتعليم والبحث تألقت بناءً عليها. نفرح لأنّ مواردنا البشرية، والتي هي «أغلى ما نملك» حسب مقولة الحسين الشهيرة، قادرة على صناعة التغيير بمفردها إن لزم، وهذه نعمة.
رابعاً، لأنّ ما قامت به الأردنية وتقوم به يتم ليس فقط في إطار تحديات جمّة وأعباء ثقيلة لا يعرفها إلا من يراها من الداخل، ليس أقلها التحدي التمويلي، فما يتوافر للأردنية من رسوم وعوائد وتبرعات ودعم متواضع، لا يسد الرمق؛ بل لأن الأردنية، كما الأردن، تفعل الكثير بالقليل. ولو توفر لها ما يتوافر لغيرها لكانت تنافس بقوة أكبر.
خامساً، لأن نجاح الأردنية حافز ليس فقط لجامعاتنا الوطنية لتحقيق قفزات مماثلة، بل لكل مؤسسات الدولة؛ فما فعلته وتفعله يمكن أن تفعله غيرها من مؤسسات؛ وبالذات مؤسساتنا في القطاع العام الذي تندرج الأردنية تحته، لا بل يمكن لمجتمعنا كله أن ينهض ويقفز. نجاح الأردنية حافز للآخرين؛ ونأمل أن تنتقل «عدوى» نجاحها وتُعمّم.
ونفرح، خامساً وسادساً وسابعاً، وبالذات في غمرة فرحتنا باليوبيل الفضي.
نفرح للأردنية لأنها، كما الأردن اليوم، أعطتنا بارقة أمل، وأضاءت شمعة في عالم معتم نرجو أن يكون أكثر عدلاً وإنسانية، وأقل دمويّة ووحشية.